وجع البنفسج
يُحكى أن في زمانٍ آخر كانت
هناك أميرة صغيرة تسكن حدائق البهجة حيث تبارى سكان الحديقة في منحها كل ما
يُبهجها ويزيد تعلقها بالمكان وسكانه؛ فالورود أهدتها دفء أحمرها فتوردت وجنتيها،
ونشرت سنابل القمح أصفرها الوهاج في ضفائر الأميرة، أما زهر القطن فأسكن بياض
نوَّاره ونعومته جسدها وبشرتها، وأضاء وجهها جوهرتان من البنفسج المتلألئ تتنافس
في بريقهما مع فصيّ العقيق اللذان يحرسان لألئ فمها الصامت دومًا.
لم تكن الأميرة تقضي وقتها
إلا جالسةً عند البحيرة الفضية بأطراف الحديقة تقذف حبات الحصى المفروش بحافة البحيرة
وكأنها مهمتها المقدسة. أشعل ولع الأميرة بالبحيرة وحبات حصاها نيران الغيرة بقلوب
باقي سكان الحديقة، وفي المساء حين طارت نسمات الهواء فوق البحيرة حيث يسبح قمر
المساء أخبرته بما سمعته من همسات الأغصان خلال طوافها اليومي بينها، عن أن
الأميرة لن تكتمل بهجتها إلا حين تختفي حبات الحصى التي أورثتها صمتها الكئيب.
كانت حبات الحصى تسمع
حكايات النسيم بوجعٍ متزايد فتضم على الوجع نفسها وتنأى، حتى كان صباح فوجئت فيه
الأميرة بتحوِّل الحصى لتمثالٍ عجيب جالس القرفصاء عاقدًا يديه بقوة ليُخفي بينهما
رأسه كطفلٍ يُحكم إغلاق عينيه فيحسب أن أحدًا لا يراه.
حاولت الأميرة حل عقدة يديّ
التمثال... رفع رأسه فما زادته محاولاتها إلا انكفاءً على نفسه. حين يئست الأميرة
تهاوت بجواره وانسابت لؤلؤاتها فأغرقت وجهها، وما أن مست الأرض حتى اختفت الأميرة
ونبت مكانها أزهارًا برَّاقة كوهج عينيها البنفسجية، كلما هبّ النسيم ازداد
تمايلها المحموم نحو التمثال الآخذ في الإنحناء والبُعد.
يقولون أن نسمات الهواء في
كل مساء تحكي للقمر همسات البنفسج عن أميرةٍ حزينة ما كان يؤنسها سوى رقصات المياه
الفضية حين تسمع صوت دقات الحصى المُحملة بهمسات أصابعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق