27 يناير 2011

ولا ليَّ غير هي

صوتي ما يعرفش غيرك ساعة ما يغني حلو
ده أنا كل ما أغني اسمك بأحس باسمي حلو
....
كلمات طالما تغنيت بها منذ ما يزيد على العشرين عامًا، أغنية لمدحت صالح غناها في احتفالات 6 أكتوبر ذات عام في منتصف الثمانينيات.
كنت طفلة لا يزيد عمرها عن إحدى عشر عامًا، أذكر الإحساس الغريب الذي كان يعتريني وأنا أسمعها وأرددها، لم أكن وقتها أدرك الكلمات الكبيرة التي أسمعها من انتماء ووطنية وغيرها، فقط كنت أشعر بالسعادة وأنا أترنم بها وأصدق كل حرف فيها؛ نعم أفخر بأني مصرية انتمي لهذا البلد المذكور في القرآن؛ صاحب التاريخ العملاق؛ والأسماء اللامعة في كافة المجالات.
وقتها كنت أشعر أنني أفوق الجميع لكوني مصرية أحب هذا البلد، كانت أقصى أمنياتي أن أمتلك ثروة طائلة ـ كانت وقتها لا تتجاوز المليون جنيه كأكبر رقم يمكنني احصاء الأصفار على يمينه ـ لا لأمتلك سيارة أو قصر، وإنما لأطوف العالم أزور مكتباته كلها ومتاحفه، أرى عظمة أجدادي متناثرة في أرجاءه.
كنت أحلم بدراسة الآثار وأتخصص في المصريات، أتصور نفسي وأنا أكتشف كنوز الفراعنة وأعرف خباياهم، أتوصل لما لم يصل إليه أحد قبلي.
بالأمس تذكرت هذه الأغنية، ولا ليَّ غير هي بلدي يا ولدي. نعم لا أجد لي سواها وطن، رغم كل ما فيها أحبها هي لا ذنب لها، هي الباقية وكل من أفسدوها إلى زوال.
الخميس الماضي كان أصدقائي يتحدثون عن المظاهرات المرتقبة في 25 يناير، البعض كان معها والبعض لا وإن كان الكل أجمع على أهميتها. لم أُشارك في الحديث، لا لكراهيتي للسياسة وما يتعلق بها فقط، ولكن لموقفي الرافض دومًا لكل ما قد ينتج عنه دمار أو تخريب.
قد أكون حالمة بعض الشئ أو مثالية أحلم بالتغيير الأسطوري الذي يأتي دون دماء، أرى أن أفضل سبيل للوصول لغد أكثر أملاً هو أن أُصلح نفسي، أن أُصر على أن بقى إنسان يستحق أن يكون خليفة لله في أرضه، لو أن الكل فعل هذا فلن تكون هناك مشاكل.
فاجأني سؤال بسيط من أختي الصغيرة ـ غير المحبة للقراءة ولا مهتمة بالشأن السياسي وتراني كائن منقرض يهتم بأشياء عجيبة ويغرق في بحار من الكلمات أفسدت عقله ـ وأنا أقول لها حلمي الخيالي عن أن يكون كل شخص التغيير الذي يحلم به، كان ردها ماشي إحنا هنعمل كده، طيب والكبار؟
لم أجد ما أرد به، أستوقفني سؤالها المنطقي، كيف ظننت أن من يملك سلطة، مهما كان صغرها، سيسمح لأي شئ أن يسلبه سلطته؟
ما رأيته بالأمس من تعامل تليفزيون بلدي مع تصاعد الأحداث، واستفزازي بما تعرضه القناة الإخبارية من برامج مُعادة تناقش الأوضاع في بقعةٍ ما من العالم باهتمام وحماسة، وكأن ما يجري على بعد أمتار قليلة من مبنى التليفزيون يتعلق ببلدٍ أخر لا شأن لنا به.
شعرت بالامتهان وأنا أستجدي الأخبار من مصادر غير مؤكدة تنقل وجهة نظر أصحابها، قد تكون صحيحة وقد يُجانبها الصواب. كيف يتركني تليفزيون بلدي فريسة لإعلامٍ أخر يفرض عليّ معتقداته؟
لم أكن أُصدق كل ما توصلت إليه من معلوماتٍ متفرقة، تليفزيون بلدي يُصر على أنها احتجاجات من قِلة مُغرضة تريد النيل من أمن البلد، وتضطر الشرطة للتعامل معها بأقصى درجات ضبط النفس.. في حين تتوالى الأخبار على المواقع الالكترونية المختلفة من أن المسيرات سلمية تُعبر عن رغبة حقيقية للمصريين دون تمييز عرقي أو ديني أو سياسي، وأن الشرطة تُصر على التعامل معها بنفس المنطق الغبي
لم أعرف حقيقة ما جرى إلا حين سمعت شهادات من عاشوا الحدث بأنفسهم من زملاء أعلم يقينًا أنهم لا يُخرجهم إلا وجه الله ووجه الوطن، لا يمكن استمالتهم ولا شراء عقولهم، شباب لا ينتمون لأي تيار ولا جهة، هم مصريون يحبون بلدهم ويحلمون بتغييره ويسعون لذلك دون تعدٍ ولا إتلاف. ما سمعته منهم أنزلني قليلاً من سماوات أحلامي الوردية.
كيف يمكنني أن أُصدق أن بلدي تحترم كرامتي وحقي في الحصول على معلومة حقيقية لما يجري فيه، وصفحات الجرائد الرسمية تتحدث عن الورود والحلوى التى تبادلتها الشرطة مع الشعب احتفالاً بالعيد، وأصدقائي مطاردون تحت هراوات وعصي وخراطيم مياه والقنابل المسيلة للدموع، بل والأدهى رصاصات هذه الشرطة نفسها؟

متابعتي لنشرات القنوات الأرضية لتليفزيون بلادي، والبرود الذي يُلقي به المذيع/ة أخبار الأمن الحامي للنفر القليل المتظاهر، وسيادة الهدوء والتصريحات المستفزة لمسئولين، في بلدٍ أخر ربما، جعلتني اتساءل: ماذا سيقول هؤلاء غدًا حين يسألهم رب العرش العظيم؟ كيف سيقابلونه بهذه الأكاذيب والأخبار المغلوطة والمضللة؟
لم أعدل عن موقفي الرافض لبعض الممارسات الخاطئة ـ من وجهة نظري ـ التي يهتف بها البعض، ولا غيرت رأيي في ضرورة أن يكون ما يحدث الآن من مظاهرات ومطالبة بتغيير جذري وحقيقي، يستمد قوته من رؤية واضحة لما يأتي، لا أريد أن يذهب الأشخاص ويبقى الفكر الفاسد نفسه

سعدت بهتافات محترمة، تعلن مطالبها بصراحة دون تجريح ولا سُباب. شعرت باشمئزاز من هتافات تسُب شخصيات بعينها، مهما كان رفضي لسلوكها، أحسست أن هتافي بسُباب جارح لأي شخص ـ مهما كانت دناءته وخسة أفعاله ـ يُفقدني احترامي لنفسي، ويساوي بيني وبينه، إذا قبلت اليوم بسب من اختلف معه فهل سأقبلها على نفسي غدًا إذا اختلف معي أخرون؟
محاولات تصنيف الناس لمع أو ضد تتعبني ولا أفهمها كثيرًا، من حق كل شخص أن يُعبر عن رأيه بالطريقة التي يراها مناسبة له ومتوائمة مع أفكاره ومعتقداته دون تجريح، لا أقول أن من يتظاهرون مخطئون أو لا يحق لهم ذلك، ولكن لا أريد أن أُتهم بالجُبن أو أُصنَّف في جبهة الخونة لرفضي ما لا يقبله عقلي. ثورة دون حلول بديلة متصوَّرة هي نقمة لا نعمة
سؤال أخير لا يتوقف عقلي عن التفكير في إجابة له: أين من يُهتَّف ضدهم في المظاهرات؟ أين رئيس بلادي؟ كيف يقبلون على أنفسهم مهانة الرفض وإعلان الكراهية، ولو من نفرٍ قليل كما يرون؟ أي منصب هذا وأي ثروة تلك التي تجعلني أقبل أن أترك لأبنائي أو أحفادي ذكرى مشوهة ورصيد لانهائي من الكراهية؟

ليست هناك تعليقات: