دخلت قاعة العرض بذهنٍ خالٍ من أي رأي سبق وسمعته عن الفيلم عدا الجملة السابقة، ومن أول مشهد أدركت صدق هذه المقولة.
منذ المشهد الأول، جملة بسيطة جاءت على لسان البطل حين عرض عليه أخيه ترك الفيلا لأنها أصبحت "كبيرة عليه"، فكان رده مُتهتهًا: "العالم ده بقى ضيق قوي عليَّ". أخذتني الجملة وأجبرتني على الدخول لعالم الفيلم وأبطاله، ومع تتابع المشاهد والحوارات تأكدت أني أمام شئ مختلف.
الفيلم لا يمكن أن يُحكى، لابد أن يُشاهد فكل شخص سيحكيه لن ينقله بدقة، سيحكي معه ما وصله من رسائل حملها الفيلم. قد يراه البعض صراع بين الإنسان والطبيعة؛ الخير والشر؛ الفقر والغنى؛ الواقع والحقيقة؛ المظهر والجوهر؛ التمرد والخضوع... ويتجاوز أخرون ويجعلوا منه صراع بين الإنسان وخالقه. كل هذه تفسيرات ممكنة ولكنها لن تنقل لك ما أراده الفيلم فأجمل ما في الموضوع أن المتفرج شريك أساسي في "الحدوتة"، ربما من هنا جاء استغراب البعض وسؤالهم "أين تلك الرسائل؟" أعتقد أن العيب هنا في المتلقي فكل لقطة/جملة حوار/نغمة موسيقية تحمل رسائل عديدة لمن يستطيع التقاطها.
رسائل البحر هي مجموعة الأسئلة الفلسفية التي يطرحها الفيلم، وبصورة تلقائية نكررها معه، حول كل حقائق الحياة/الدين/الحب/الصداقة، ويترك لك وحدك الإجابة عليها.
الفيلم يصعب تصنيفه، والأصعب وصف الشعور الذي ينتابك حين تشاهده، قد تصدمك جرأة بعض المشاهد/الأفكار التي يقدمها ولكن لا تصل أبدًا لحد الإستياء أو التقزز، كل شئ موظف بدقة بالغة ليصل إلى غايته دون أن يجرح المشاهد. من هنا استغربت بشدة لوجود لافتة للكبار فقط على أفيش الفيلم، فما شاهدته في أفلام وربما أغاني أخرى، بعضها عُرض في التليفزيون، أثار استيائي واستهجاني أكثر من الفيلم.
شخصيات العمل مرسومة بدقة، كل منها يحمل بداخله متناقضات كثيرة لا تدرى أتتعاطف معها أم تلعنها؟ أبكتني مشاهد كثيرة في الفيلم: "قابيل" بحواره الساخر/المؤلم مع "بيسه" وهو ينقل لها خزانة ذكرياته لتحفظها له وتردها بعد أن "يُشفى"؛ "نورا" وهي تبرر قسوتها مع "يحيى"؛ ثم مشهدها العبقري وهي تتخلص من طفلٍ تريده وتُجبر على تركه وبعدها تتخلص من آلامها بإهداء لحظات من السعادة لحبيبٍ تتمناه ولا تقدر على البوح له فتعزف له "نزيف روحها"؛ "يحيى" وهو يسد أذنيه ليهرب من كلمات "نورا" عن "زبائنها" وانهياره على الأرض... الكثير والكثير. لأول مرة أخرج من صالة العرض متمنيةً أن أشاهد الفيلم مرات ومرات.
أكثر ما أثار إعجابي في الفيلم حواره الذي يدفعك للتفكير، حوار يُنسيك الثوابت ويُريك أوجه أخرى قد تتفق أو تختلف معها ولكنك في النهاية لا تبقى كما كنت.
رسائل صغيرة حملتها عبارات متناثرة من أفواه الشخصيات.. فكر فيما يمكن للأخر أن يعطيه لك ولا تتوقع ما تحلم به؛ إذا فقد الإنسان ذكرياته/ذاكرته تصبح حياته والموت سواء؛ هناك فارق كبير بين الحقيقة والواقع؛ جميل أن نُجيد الحديث لأنفسنا ولكن ماذا عن حديثنا مع الأخرين؛ الأشياء الجميلة/الممتعة يجب أن نتعب للحصول عليها... فلسفات صغيرة تدق أبواب العقل، من يفتح لها يدخل عالمها الرحب وتصله الرسائل وربما يصل لإجابتها.
في النهاية كانت أهم وأول الرسائل التي أهداها لي الفيلم أنه أجبرني على كسر حاجز الخوف بداخلي ودخلت وشاهدته بمفردي... كسر قواعد المألوف والمتوقع خطوة أولى للتغيير.
كلمة أخيرة:
مدينة بالشكر لكل من حملني على مشاهدة هذا الفيلم.. مقال عزت القمحاوي "رسائل داوود عبد السيد"، تدوينة "رسائل البحر" لأحمد الحضري، أراء المغامير الأعزاء: هناء؛ هدى؛ وليد.
هناك تعليقان (2):
مرحبا بك في نادي محبي هذا الفيلم
تسلمي يا هناء رأيك كان مهم وشجعني على خوض التجربة، ربنا ما يحرمناش من نصايحك :-)
إرسال تعليق